فتح الثوره والعنوان
منذ فجرت حركة فتح الثورة الفلسطينية المعاصرة وشلال دماء شهداء ثورتنا ما إنفك يتدفق ويفيض راسماً الخارطة الجديدة للمنطقة بأسرها. وعندما أطلقت فتح رصاصاتها الأولى لتطرح منطلقاتها الإستراتيجية التي حددت من خلالها أولوية تحرير فلسطين بإتباع أسلوب الكفاح المسلح وتوحيد نضال الجماهير قلبت بذلك رأساً على عقب مجموعة المنطلقات الإستراتيجية التي سادت الوطن العربي حول قضية فلسطين وأدخلت المنطقة العربية برمتها في مرحلة جديدة تمتاز بالصراع الساخن، وبرهنت على أن الثورة الفلسطينية ... فلسطينية الوجه ... عربية العمق ... عالمية البعد، مما جعلها في وضع فريد ضمن حركات التحرر الوطني في العالم.
الأجواء التي رافقت ولادة الحركة
لاشك أن ولادة حركة فتح كانت عسيرة إعترضتها صعوبات ومشاكل جمة، في الوقت الذي لم يكن فيه سهلاً على طلائع قيادتنا التاريخية أن يتخذوا قرارهم التاريخي بتأسيس فتح في ذاك الوقت.
الكفاح المسلح بدلاً من الشعارات والمزايدات
يقول الأخ سليم الزعنون ( أبو الأديب ) أحد القادة التاريخيين لثورتنا ومن المؤسسين لحركة فتح ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني عن الظروف التي رافقت إنطلاقة الثورة الفلسطينية
المسلحة بقيادة فتح في 1/1/1965م بأن مصاعب الإنطلاقة كانت جمة ولكن كان أهمها وجود أكثر من ثلاثين تنظيماً كانت جميعها تحمل أسماء وشعارات حول تحرير فلسطين .. بعض تلك التنظيمات كان لا يتعدى حجمها عدد أصابع اليد ... وبالتالي كانت ساحات العمل الفلسطيني غارقة بالمزايدات والشعارات .. مما أدى إلى الخلط بين الغث والسمين، ولهذا بطبيعة الحال أثره السلبي على جماهيرية وشعبية أي تنظيم .. مما حتم على قيادة فتح التاريخية القيام بعمل بطولي وشجاع يكون كفيلاً بإخراج حركة فتح من دوامة الشعارات والصراعات الحزبية التي سئمتها جماهير شعبنا.
ويضيف الأخ أبو الأديب بأنه كان لابد من إطلاق شرارة الكفاح المسلح .. وهذا العمل أو القرار يعتبر مصيرياً وخطيراً، حيث كل الظروف المحيطة كانت تعمل ضد هذا الإتجاه .. ثم هناك منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري والتي تأسست في 13/1/1964م ، بقرار من القمة العربية في القاهرة، ثم في قمة الإسكندرية سبتمبر / أيلول 1964 تقرر إنشاء جيش التحرير الفلسطيني بقيادة اللواء وجيه المدني، وكان لهذا أثره الفعال – سلباً – على وجود التنظيمات المختلفة، وكان هناك القيادة العربية الموحدة بقيادة الفريق أول على عامر بقرار من القمة العربية من أجل مواجهة المشاريع الإسرائيلية لتحويل مياه نهر الأردن ومنابعه مما يشكل تهديداً للدول العربية .. وهذه القيادة لا تريد لغيرها أن يعمل ضد الإسرائيليين .. ولقد كانت لهذه القيادة قرارات مضادة للعمل الفدائي بعد الإنطلاقة والحدود المشتركة مع فلسطين المحتلة موصدة في وجه أي عمل مسلح .. والتمويل المادي محدود ويعتمد على اشتراكات الأعضاء فقط، حيث لا أحد يتبرع مادياً لمن لا يعمل ... وأجهزة المخابرات في مناطق التماس مع فلسطين المحتلة تلاحق وتمنع أي إنسان من إختراق الحدود ومهاجمة العدو في الداخل ... ثم هناك الخطر المصيري المحتمل، الذي يتهدد تنظيم فتح بكل وجوده إذا ما فشلت الإنطلاقة.
العملية الأولى
ويكشف الأخ أبو الأديب اللحظات الحاسمة التي عاشتها ثورتنا ويقول أمام كل هذه الأخطار كان لابد من اتخاذ القرار المصيري والحاسم .. ولقد إختلف قادة تنظيم فتح حول ذلك .. البعض يؤيد الإنطلاقة .. والبعض يحذر .. والبعض متردد .. وفي ظل كل هذه الظروف الصعبة اجتمع قادة فتح من كل الأقاليم وكان اللقاء في مكان ما بالكويت وبعد نقاش طويل ومتشعب وخلال عدة أيام التزم الجميع بقرار الأغلبية وتقرر إطلاق الرصاصة الأولى في ليلة الفاتح من كانون الثاني ( يناير ) 1965م .. كبداية للثورة الفلسطينية المسلحة من أجل تحرير فلسطين .. ولقد ارتأى المجتمعون تحسباً لأي طارئ أن تكون الإنطلاقة تحت إسم غير إسم حركة فتح التي باتت معروفة للجميع وتم اختيار إسم قوات العاصفة، فإذا تحقق النجاح وتواصلت الثورة ونجت من الأخطار المحدقة بها فإن الأمر سيوضح بعد ذلك لوسائل الإعلام ولبقية تنظيم فتح حيث أن الأمر كان سرياً للغاية ومحصوراً في نطاق عدد محدود من قيادة الحركة .. أما لو كان هناك فشل .. فستنجو فتح من الخطر وسيتحمل الإسم الجديد تبعة ذلك الفشل .. ولقد تمت الإنطلاقة بحمد الله وتوفيقه وتمكنت مجموعات من قوات العاصفة من تفجير بعض المنشأت التحويلية لمياه نهر الأردن في نفق عيلبون وتبعتها عدة عمليات داخل فلسطين المحتلة وفي مناطق متباعدة في الجليل .. وفي بيت جبرين وفي بئر السبع بحيث لم يستطع العدو إلا أن يعترف بما حدث وأعلن عن ذلك من خلال إذاعته.
ويتذكر الأخ أبو الأديب أن القيادة إتخذت قراراً في مواجهة الأعباء المالية اللازمة لتغطية تلك العمليات بأن على كل فرد منتسب لحركة فتح أن يدفع مبلغ خمسين ديناراً دعماً للعمل العسكري وديمومته.
أصداء العملية
أما عن الصدى الذي أحدثه ذلك العمل فيقول الأخ أبو الأديب، بأن الفرحة عمت صفوف الشعب الفلسطيني وبدأ الناس يتحدثون بإستبشار وسعادة وأمل وهم يرددون الشعار الذي كانت تتركه المجموعات الفدائية الأولى وراءها في مكان العمليات المسلحة " أيها الغزاة الصهاينة .. قوات العاصفة مرت من هنا " وبدأ الشبان ينضمون إلى تنظيم حركة فتح في كل مناطق الشتات وفي قطاع غزة والضفة الغربية مما أدى إلى ذوبان أو تلاشي العديد من التنظيمات .. فالناس كانوا متعطشين لمن يجسد الشعارات إلى عمل بعد أن طال الإنتظار وإستبد اليأس بالنفوس، لقد كانت فتح بالنسبة للشعب الفلسطيني شعلة الأمل، أما عن الصدى عربياً فلاشك أن الإنطلاقة ساعدت في إستنهاض النخوة العربية فبات الناس يتبرعون للحركة من أجل تمويل عملياتها البطولية ودعماً لأسر الشهداء والجرحى والأسرى، وكانت هناك مناصرة دولية محدودة تمثلت بالدرجة الأولى بدعم مادي ومعنوي من قبل جمهورية الصين الشعبية وفيتنام وكوبا، وفي هذا المجال لا يمكننا أن ننسى الدعم الأخوي الصادق من قبل الجزائر الشقيقة وسوريا الحبيبة، حيث كانت لهما وقفات مخلصة ساعدت في إنجاح إنطلاقة الثورة الفلسطينية وإستمراريتها وتصاعدها بقيادة حركة فتح.
فتح صنعت لشعبنا الهوية السياسية
ويقول الأخ زكريا الأغا عضو اللجنة المركزية لحركة فتح بأن فتح ولدت من عمق المأساة الفلسطينية في وقت كان فيه الشعب الفلسطيني يعتبر مجرد قطاعات من اللاجئين بدون أي هوية سياسية ومن هنا تولدت الفكرة لدى عدد من القيادات الفلسطينية برئاسة الأخ القائد أبو عمار والشهيدين القائدين أبو جهاد وأبو إياد وكثيراً من الأخوة الذين فكروا كيف يمكن أن يعيدوا الحياة إلى القضية الفلسطينية وأن يعملوا على إحياء النضال الفلسطيني والبدء بالكفاح المسلح.
ويضيف الأغا أن الأفكار إلتقت بشأن تأسيس فتح على قاعدة الكفاح المسلح لتحرير فلسطين وتحويل شعبنا من مجرد شعب لاجئ إلى شعب من المقاتلين، ونضجت الفكرة بعدما إتفق على موعد أول عملية تقوم بها قوات العاصفة الذراع العسكري لحركة فتح، وكانت العملية بمثابة الإعلان الرسمي لإنطلاقة فتح وإنطلاقة الكفاح المسلح، وقد كان لإعلان الإنطلاقة الفتحاوية وقع في الشارع الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد أعادت له ثقته بنفسه وإحتشدت جماهير غفيرة للتطوع في صفوف فتح لتخوض النضال والكفاح تحت راية فلسطينية بقيادة القائد ياسر عرفات.
الإعتماد على الذات لتحرير فلسطين
يقول العميد مازن عز الدين نائب المفوض السياسي العام لشئون التوجيه الوطني: إنعكست بدايات تشكل الواقع العربي القومي بإتجاهاته المختلفة التي تضع في إعتباراتها فلسطين، على الواقع الفلسطيني في الشتات، بحيث أن الشباب الفلسطيني حاول أن يجد نفسه في الحزبية العربية، فإنضوى تحت أجنحة الأحزاب القومية معتقداً أنها السبيل في حشد موقف عربي من أجل معركة التحرير التي تعيده إلى فلسطين خاصة وأن مفتاح بيته لم يصب بالصدأ في تلك الأيام، وبالتالي كانت فكرة الوحدة العربية هي الطريق الحتمي لتحرير فلسطين، ولكن مع طول المدة وإنتظار الجيوش العربية لتحرير فلسطين بدأ الملل يدخل في صفوف الشباب الفلسطيني، وبدأت تتشكل في أواسط الطبقات الأكثر وعياً من شعبنا وتحديداً إتحاد طلاب فلسطين مجموعة من الأفكار المنسجمة مع واقعنا الفلسطيني والتي ترافقت مع نمو حركات التحرر العالمية والعربية مثل موجة المد القومي في اليمن والجزائر ومصر وثورات فيتنام وكمبوديا مما عكس ذلك على بدايات تشكل النواة الثورية الفلسطينية في الطبقات الأكثر وعياً .. ومن هنا جاءت فكرة الإعتماد على الذات بضرورة وجود حركة أو تنظيم فلسطيني يقاتل ويقاوم ويقلب المعادلة.
ويضيف عز الدين بأن حركة فتح لم تكن بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية فالمنظمة جاءت كرد عربي على تحويل روافد مجرى نهر الأردن وكتعبير عن أفكار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتتويجاً لفكره القومي بإتجاه فلسطين الذي كان يعتبرها العمود الفقري للفكر القومي وتم تشكيل جيش لها أطلق إسم جيش التحرير الفلسطيني وكان منضوياً تحت قيادة أركان الدول العربية التي يتواجد على أراضيها ومرتبطاً بالخطة الرسمية العربية لأنظمة دول الطوق وبالتالي لم يستطع أن يحرك شيئاً بالنسبة لفلسطين، فجاءت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح بتشكيلاتها دون أن تتدخل بتشكيلات منظمة التحرير الفلسطينية في بادئ الأمر إلى أن قامت بتفجير الإنطلاقة وبداية تشكيل معسكراتها والقيام بعمليات فدائية.
ويشير عز الدين إلى أنه بعد حدوث نكسة 67 وإحتلال باقي فلسطين إضافة إلى إحتلال سيناء والجولان، أصبحت اليد الطولى لإرادة الشعب وإرادة الكفاح المسلح، وبالتالي وجب تأميم منظمة التحرير الفلسطينية ليصبح قرارها فلسطينياً محضا،ً وجرت محاولات عديدة لكي يتلقى جيش التحرير الفلسطيني تعليماته من رئاسة الأركان الفلسطينية وليس من أركان رئاسة الدول العربية المتواجد على أراضيها إلى أن جاءت الظروف وأصبح جيش التحرير الفلسطيني تحت أمرة فلسطينية يدافع دفاعاً مستميتاً عن الثورة الفلسطينية بعد أن قامت فتح بعملية النقل الشرعي لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية من قيادة الشهيد المناضل أحمد الشقيري إلى قيادة الرئيس ياسر عرفات.
منذ فجرت حركة فتح الثورة الفلسطينية المعاصرة وشلال دماء شهداء ثورتنا ما إنفك يتدفق ويفيض راسماً الخارطة الجديدة للمنطقة بأسرها. وعندما أطلقت فتح رصاصاتها الأولى لتطرح منطلقاتها الإستراتيجية التي حددت من خلالها أولوية تحرير فلسطين بإتباع أسلوب الكفاح المسلح وتوحيد نضال الجماهير قلبت بذلك رأساً على عقب مجموعة المنطلقات الإستراتيجية التي سادت الوطن العربي حول قضية فلسطين وأدخلت المنطقة العربية برمتها في مرحلة جديدة تمتاز بالصراع الساخن، وبرهنت على أن الثورة الفلسطينية ... فلسطينية الوجه ... عربية العمق ... عالمية البعد، مما جعلها في وضع فريد ضمن حركات التحرر الوطني في العالم.
الأجواء التي رافقت ولادة الحركة
لاشك أن ولادة حركة فتح كانت عسيرة إعترضتها صعوبات ومشاكل جمة، في الوقت الذي لم يكن فيه سهلاً على طلائع قيادتنا التاريخية أن يتخذوا قرارهم التاريخي بتأسيس فتح في ذاك الوقت.
الكفاح المسلح بدلاً من الشعارات والمزايدات
يقول الأخ سليم الزعنون ( أبو الأديب ) أحد القادة التاريخيين لثورتنا ومن المؤسسين لحركة فتح ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني عن الظروف التي رافقت إنطلاقة الثورة الفلسطينية
المسلحة بقيادة فتح في 1/1/1965م بأن مصاعب الإنطلاقة كانت جمة ولكن كان أهمها وجود أكثر من ثلاثين تنظيماً كانت جميعها تحمل أسماء وشعارات حول تحرير فلسطين .. بعض تلك التنظيمات كان لا يتعدى حجمها عدد أصابع اليد ... وبالتالي كانت ساحات العمل الفلسطيني غارقة بالمزايدات والشعارات .. مما أدى إلى الخلط بين الغث والسمين، ولهذا بطبيعة الحال أثره السلبي على جماهيرية وشعبية أي تنظيم .. مما حتم على قيادة فتح التاريخية القيام بعمل بطولي وشجاع يكون كفيلاً بإخراج حركة فتح من دوامة الشعارات والصراعات الحزبية التي سئمتها جماهير شعبنا.
ويضيف الأخ أبو الأديب بأنه كان لابد من إطلاق شرارة الكفاح المسلح .. وهذا العمل أو القرار يعتبر مصيرياً وخطيراً، حيث كل الظروف المحيطة كانت تعمل ضد هذا الإتجاه .. ثم هناك منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري والتي تأسست في 13/1/1964م ، بقرار من القمة العربية في القاهرة، ثم في قمة الإسكندرية سبتمبر / أيلول 1964 تقرر إنشاء جيش التحرير الفلسطيني بقيادة اللواء وجيه المدني، وكان لهذا أثره الفعال – سلباً – على وجود التنظيمات المختلفة، وكان هناك القيادة العربية الموحدة بقيادة الفريق أول على عامر بقرار من القمة العربية من أجل مواجهة المشاريع الإسرائيلية لتحويل مياه نهر الأردن ومنابعه مما يشكل تهديداً للدول العربية .. وهذه القيادة لا تريد لغيرها أن يعمل ضد الإسرائيليين .. ولقد كانت لهذه القيادة قرارات مضادة للعمل الفدائي بعد الإنطلاقة والحدود المشتركة مع فلسطين المحتلة موصدة في وجه أي عمل مسلح .. والتمويل المادي محدود ويعتمد على اشتراكات الأعضاء فقط، حيث لا أحد يتبرع مادياً لمن لا يعمل ... وأجهزة المخابرات في مناطق التماس مع فلسطين المحتلة تلاحق وتمنع أي إنسان من إختراق الحدود ومهاجمة العدو في الداخل ... ثم هناك الخطر المصيري المحتمل، الذي يتهدد تنظيم فتح بكل وجوده إذا ما فشلت الإنطلاقة.
العملية الأولى
ويكشف الأخ أبو الأديب اللحظات الحاسمة التي عاشتها ثورتنا ويقول أمام كل هذه الأخطار كان لابد من اتخاذ القرار المصيري والحاسم .. ولقد إختلف قادة تنظيم فتح حول ذلك .. البعض يؤيد الإنطلاقة .. والبعض يحذر .. والبعض متردد .. وفي ظل كل هذه الظروف الصعبة اجتمع قادة فتح من كل الأقاليم وكان اللقاء في مكان ما بالكويت وبعد نقاش طويل ومتشعب وخلال عدة أيام التزم الجميع بقرار الأغلبية وتقرر إطلاق الرصاصة الأولى في ليلة الفاتح من كانون الثاني ( يناير ) 1965م .. كبداية للثورة الفلسطينية المسلحة من أجل تحرير فلسطين .. ولقد ارتأى المجتمعون تحسباً لأي طارئ أن تكون الإنطلاقة تحت إسم غير إسم حركة فتح التي باتت معروفة للجميع وتم اختيار إسم قوات العاصفة، فإذا تحقق النجاح وتواصلت الثورة ونجت من الأخطار المحدقة بها فإن الأمر سيوضح بعد ذلك لوسائل الإعلام ولبقية تنظيم فتح حيث أن الأمر كان سرياً للغاية ومحصوراً في نطاق عدد محدود من قيادة الحركة .. أما لو كان هناك فشل .. فستنجو فتح من الخطر وسيتحمل الإسم الجديد تبعة ذلك الفشل .. ولقد تمت الإنطلاقة بحمد الله وتوفيقه وتمكنت مجموعات من قوات العاصفة من تفجير بعض المنشأت التحويلية لمياه نهر الأردن في نفق عيلبون وتبعتها عدة عمليات داخل فلسطين المحتلة وفي مناطق متباعدة في الجليل .. وفي بيت جبرين وفي بئر السبع بحيث لم يستطع العدو إلا أن يعترف بما حدث وأعلن عن ذلك من خلال إذاعته.
ويتذكر الأخ أبو الأديب أن القيادة إتخذت قراراً في مواجهة الأعباء المالية اللازمة لتغطية تلك العمليات بأن على كل فرد منتسب لحركة فتح أن يدفع مبلغ خمسين ديناراً دعماً للعمل العسكري وديمومته.
أصداء العملية
أما عن الصدى الذي أحدثه ذلك العمل فيقول الأخ أبو الأديب، بأن الفرحة عمت صفوف الشعب الفلسطيني وبدأ الناس يتحدثون بإستبشار وسعادة وأمل وهم يرددون الشعار الذي كانت تتركه المجموعات الفدائية الأولى وراءها في مكان العمليات المسلحة " أيها الغزاة الصهاينة .. قوات العاصفة مرت من هنا " وبدأ الشبان ينضمون إلى تنظيم حركة فتح في كل مناطق الشتات وفي قطاع غزة والضفة الغربية مما أدى إلى ذوبان أو تلاشي العديد من التنظيمات .. فالناس كانوا متعطشين لمن يجسد الشعارات إلى عمل بعد أن طال الإنتظار وإستبد اليأس بالنفوس، لقد كانت فتح بالنسبة للشعب الفلسطيني شعلة الأمل، أما عن الصدى عربياً فلاشك أن الإنطلاقة ساعدت في إستنهاض النخوة العربية فبات الناس يتبرعون للحركة من أجل تمويل عملياتها البطولية ودعماً لأسر الشهداء والجرحى والأسرى، وكانت هناك مناصرة دولية محدودة تمثلت بالدرجة الأولى بدعم مادي ومعنوي من قبل جمهورية الصين الشعبية وفيتنام وكوبا، وفي هذا المجال لا يمكننا أن ننسى الدعم الأخوي الصادق من قبل الجزائر الشقيقة وسوريا الحبيبة، حيث كانت لهما وقفات مخلصة ساعدت في إنجاح إنطلاقة الثورة الفلسطينية وإستمراريتها وتصاعدها بقيادة حركة فتح.
فتح صنعت لشعبنا الهوية السياسية
ويقول الأخ زكريا الأغا عضو اللجنة المركزية لحركة فتح بأن فتح ولدت من عمق المأساة الفلسطينية في وقت كان فيه الشعب الفلسطيني يعتبر مجرد قطاعات من اللاجئين بدون أي هوية سياسية ومن هنا تولدت الفكرة لدى عدد من القيادات الفلسطينية برئاسة الأخ القائد أبو عمار والشهيدين القائدين أبو جهاد وأبو إياد وكثيراً من الأخوة الذين فكروا كيف يمكن أن يعيدوا الحياة إلى القضية الفلسطينية وأن يعملوا على إحياء النضال الفلسطيني والبدء بالكفاح المسلح.
ويضيف الأغا أن الأفكار إلتقت بشأن تأسيس فتح على قاعدة الكفاح المسلح لتحرير فلسطين وتحويل شعبنا من مجرد شعب لاجئ إلى شعب من المقاتلين، ونضجت الفكرة بعدما إتفق على موعد أول عملية تقوم بها قوات العاصفة الذراع العسكري لحركة فتح، وكانت العملية بمثابة الإعلان الرسمي لإنطلاقة فتح وإنطلاقة الكفاح المسلح، وقد كان لإعلان الإنطلاقة الفتحاوية وقع في الشارع الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد أعادت له ثقته بنفسه وإحتشدت جماهير غفيرة للتطوع في صفوف فتح لتخوض النضال والكفاح تحت راية فلسطينية بقيادة القائد ياسر عرفات.
الإعتماد على الذات لتحرير فلسطين
يقول العميد مازن عز الدين نائب المفوض السياسي العام لشئون التوجيه الوطني: إنعكست بدايات تشكل الواقع العربي القومي بإتجاهاته المختلفة التي تضع في إعتباراتها فلسطين، على الواقع الفلسطيني في الشتات، بحيث أن الشباب الفلسطيني حاول أن يجد نفسه في الحزبية العربية، فإنضوى تحت أجنحة الأحزاب القومية معتقداً أنها السبيل في حشد موقف عربي من أجل معركة التحرير التي تعيده إلى فلسطين خاصة وأن مفتاح بيته لم يصب بالصدأ في تلك الأيام، وبالتالي كانت فكرة الوحدة العربية هي الطريق الحتمي لتحرير فلسطين، ولكن مع طول المدة وإنتظار الجيوش العربية لتحرير فلسطين بدأ الملل يدخل في صفوف الشباب الفلسطيني، وبدأت تتشكل في أواسط الطبقات الأكثر وعياً من شعبنا وتحديداً إتحاد طلاب فلسطين مجموعة من الأفكار المنسجمة مع واقعنا الفلسطيني والتي ترافقت مع نمو حركات التحرر العالمية والعربية مثل موجة المد القومي في اليمن والجزائر ومصر وثورات فيتنام وكمبوديا مما عكس ذلك على بدايات تشكل النواة الثورية الفلسطينية في الطبقات الأكثر وعياً .. ومن هنا جاءت فكرة الإعتماد على الذات بضرورة وجود حركة أو تنظيم فلسطيني يقاتل ويقاوم ويقلب المعادلة.
ويضيف عز الدين بأن حركة فتح لم تكن بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية فالمنظمة جاءت كرد عربي على تحويل روافد مجرى نهر الأردن وكتعبير عن أفكار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتتويجاً لفكره القومي بإتجاه فلسطين الذي كان يعتبرها العمود الفقري للفكر القومي وتم تشكيل جيش لها أطلق إسم جيش التحرير الفلسطيني وكان منضوياً تحت قيادة أركان الدول العربية التي يتواجد على أراضيها ومرتبطاً بالخطة الرسمية العربية لأنظمة دول الطوق وبالتالي لم يستطع أن يحرك شيئاً بالنسبة لفلسطين، فجاءت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح بتشكيلاتها دون أن تتدخل بتشكيلات منظمة التحرير الفلسطينية في بادئ الأمر إلى أن قامت بتفجير الإنطلاقة وبداية تشكيل معسكراتها والقيام بعمليات فدائية.
ويشير عز الدين إلى أنه بعد حدوث نكسة 67 وإحتلال باقي فلسطين إضافة إلى إحتلال سيناء والجولان، أصبحت اليد الطولى لإرادة الشعب وإرادة الكفاح المسلح، وبالتالي وجب تأميم منظمة التحرير الفلسطينية ليصبح قرارها فلسطينياً محضا،ً وجرت محاولات عديدة لكي يتلقى جيش التحرير الفلسطيني تعليماته من رئاسة الأركان الفلسطينية وليس من أركان رئاسة الدول العربية المتواجد على أراضيها إلى أن جاءت الظروف وأصبح جيش التحرير الفلسطيني تحت أمرة فلسطينية يدافع دفاعاً مستميتاً عن الثورة الفلسطينية بعد أن قامت فتح بعملية النقل الشرعي لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية من قيادة الشهيد المناضل أحمد الشقيري إلى قيادة الرئيس ياسر عرفات.
عدل سابقا من قبل فتحاوي الشمال في الأحد أغسطس 24, 2008 3:54 pm عدل 1 مرات